كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{عَلَى سُرُرٍمَّوْضُونَةٍ}.
أي منسوخة نسيج الدرع من الذهب. جاء في التفسير: طولُ كل سريرٍ ثلاثمائة ذراع، إنْ أراد الجلوسَ عليه تواضع، وإن استوى عليه ارتفع.
{مُّتَّكِئينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ}.
أي لا يرى بعضُهم قفا بعضٍ. وَصَفهم بصفاء المودة وتَهَذُّب الأخلاق.
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ}.
يطوف عليهم وهم مقيمون لا يبرحون ولدانٌ في سِنِّ واحدة... لا يهرمون.
وقيل: مُقَرَّطون (الخَلدة. القُرْط).
{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسِ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ}.
{بِأَكْوَابٍِ} جمع كوب وهي آنية بلا عروة ولا خرطوم، {وَأَبَارِيِقَ}: جمع إبريق وهو عكس الكوب (أي له خرطوم وعروة).
ولاصداع لهم في شربهم إياها، كما لا تذهب عقولهم بسببها.
ولهم كذلك فاكهة مما يتخيرون، ولحم طيرٍ مما يشتهون، وحُورٌ عين، كأمثال اللؤلؤ المكنون، أي: المصون، جزاءً بما كانوا يعملون.
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25) إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26).
اللغو: الباطل من القول، والتأثيم: الإثم والهذيان.
ولا يسمعون إلا قيلًا سلامًا، وسلامًا: نعت للقيل.
{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ اليَمِينِ في سِدْرٍ مَّخْضُودٍ}: لا شوكَ فيه، {وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} والطلح شجر الموز، متراكم نضيد بعضه على بعض.
{وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ} كما بين الإسفار إلى طلوع الشمس. وقيل: ممدود أي دائم.
{وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ}: جَارٍ لا يتعبون فيه.
{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ}: لا مقطوعة عنهم ولا ممنوعة منهم.
{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} لهم. وقيل: أراد بها النساء.
{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} لهم. وقيل: أراد بها النساء.
{إِنَّآ أَنشَأْنَهُنَّ إِنشَاءً فَجَعَلْنَهُنَّ أَبْكَارًَا} أي الحُور العين.
{عُرُبًا} جمع عَرُوب وهي الغَنِجَةٌ المتحببةُ إلى زَوْجِها. ويقال عربًا: أي مُتَشَهيَّات إلى أزواجهن.
{أَتْرَابًا}: جمع تِرْب، أي: هُنَّ على سِنٍّ واحدة.
{لأَصْحَابِ الْيَمِينِ}: أي خلقناهن لأصحاب اليمين.
{ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ}: أي: ثلة من أُولَى هذه الأمة، وثُلة من أُخْراها.
{وََأصْحَابُ الشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ الشِّمَالِ في سَمُومٍ وَحَمِيمٍ}: والسَّموم فيحُ جهنم وحَرُّها. والحميم: الماءُ الحار.
{وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ}، وهو الدُّخان الأُسود.
{لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ}: لا بارد: أي لا راحةَ فيه. ولا كريمٍ: ولا حَسَنٍ لهم؛ (حيث لا نفع فيه).
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} أيك كانوا في الدنيا مُمَتَّعين.
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ} أي الذَّنْبِ العظيم.
{وَكَانُواْ يَقولونَ إَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَءِنَّا لَمَبْعُثُونَ}؟ أي: أنهم يُكَذِّبون بالبعث.
- ثم يقال لهم: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} اليومَ {لأَكِلُونَ مِن شَجِرٍ مِّن زَقُّومٍ} وجاء في التفسير: أن الزقوم شجرة في أسفل جهنم إذا طُرِحَ الكافرُ في جهنم لا يصل إليها إلا بعد أربعين خريفًا.
{فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمَ} شرابٌ لا تهنأون به {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} وهي الإبل العِطاش. ويقال: الهيم أي الرَّمْلُ ينضب فيه كلٌّ ما يُصَبُّ عليه.
{هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الِّدِينِ}: يوم القيامة.
ثم يقال لهم: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} اليومَ {لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} وجاء في التفسير: أن الزقوم شجرة في أسفل جهنم إذا طُرِحَ الكافرُ جهنم لا يصل إليها إلا بعد أربعين خريفًا.
{فَمَالئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} شرابٌ لا تهنأون به {فَشَارِبوُنَ شُرْبَ الْهِيمِ}: وهي الإبل العِطاش. ويقال: الهيم أي الرَّمْلُ ينضب فيه كلٌّ ما يُصَبُّ عليه.
{هَذا نُزُولُهمْ يَوْمَ الدِّينِ}: يوم القيامة.
قوله جلّ ذكره: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ}.
نحن خلقناكم: يا أهلَ مكة- فهلاَّ آمَنْتُم لتتخلصوا؟ توبَّخون وتُعَاتَبون.. واليومَ تَعْتَذِرون! ولكن لا ينفعكم ذلك ولا يُسْمَعُ منكم شيء.
وإن أشدّ العقوبات عليهم يومئذٍ أنهم لا يتفرَّغون من آلامِ نفوسِهم وأوجاعِ أعضائهم إلى التَحسُّر على ما فاتهم في حقِّ الله.
ويقال: أشدُّ البلاء- اليوم- على قلوب هذه الطائفة خوفُهم من أَنْ يَشْغَلَهم- غدًا- بمقاساة آلامهم عن التحسُّر على ما تكدَّرَ عليهم من المشارب في هذا الطريق. وهذه محنة لا شيءَ أعظمُ على الأصحاب منها. وإنَّ أصحابَ القلوب- اليوم- يبتهلون إليه ويقولون: إنْ حَرَمْتَنا مشاهدَ الأُنْس فلا تَشْغَلْنا بلذَّاتٍ تشغلنا عن التحسُّر على ما فاتنا، ولا بآلامٍ تشغلنا عن التأسُّف على ما عَدِمْنا منك.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ءَأَنتُمْ تَخْلَقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}.
يقال: مَنىَ الرجلُ وأَمْنَى. والمعنى: هل إذا باشَرْتُم وأنزلتم وانعقد الولد... أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون؟ والخَلْقُ ها هنا: التصوير؛ أي: أأنتم تجمعون صُوَرَ المولود وتُرَكِّبون أعضاءَه... أم نحن؟
وهم كانوا يُقِرُّون بالنشأة الأولى فاحتجَّ بهذا على جواز النشأة الأخرى عند البعث الذي كانوا ينكرونه. وهذه الآية أصلٌ في إثبات الصانع؛ فإن أصلَ خِلْقَةِ الإنسان من قطرتين: قطرة من صُلْبِ الأب وهو المني وقطرة من تربية الأم، وتجتمع القطرتان في الرَّحِم فيصير الولد. وينقسم الماءان المختلطان إلى هذه الأجزاء التي هي أجزاء الإنسان من العَظْم والعَصَبِ والعرِقِ والجِلْدِ والشَّعْر... ثم يركبها على هذه الصور في الأعضاء الظاهرة وفي الأجزاء الباطنة حيث يُشَكَّلُ كل عضوٍ بشكلٍ خاص، والعِظام بكيفية خاصة... إلى غير ذلك.
وليس يخلو: إِمَّا أَنْ يكونَ الأبوَان يصنعانه- وذلك التقديرُ محالٌ لتقاصر عِلْمِها وقُدْرتهما عن ذلك وتمَنِّيهما الولَدَ ثم لا يكون، وكراهتهما الولدَ ثم يكون!
والنُّطفة أو القَطْرةُ مُحَالٌ تقديرُ فِعْلها في نَفْسِها على هذه الصورة لكونها من الأموات بَعْدُ، ولا عِلْمَ لها ولا قدرة.
أو مِنْ غيرِ صانعٍ... وبالضرورة يُعْلَمُ أنه لا يجوز.
فلم يَبْقَ إِلاَّ أن الصانعَ القديمَ المَلِكَ العليمَ هو الخالق.
قوله جلّ ذكره: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحُنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمُ وَنُنشِئَكُمْ في مَا لاَ تَعْمَلُونَ}.
يكون الموتُ في الوقت الذي يريده؛ منكم مَنْ يموت طفلًا ومنكم من يموت شابًَّا، ومنكم من يموت كهلًا، وبِعللٍ مختلفة وبأسبابٍ متفاوتةٍ وفي أوقاتٍ مختلفة.
{وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} في تقديرنا فيفوتنا شيءٌ ولَسْنا بعاجزين عن أن نَخْلُقِ أمثالَكم، ولا بعاجزين عن تبديلَ صُوَركم التي تعلمون؛ إِن أردنا مَسْخَكُم وتبديلَ صُوَركم فلا يمنعنا عن ذلك أحدٌ.
ويقال: وننشئكم فيما لا تعلمون من حكم السعادة والشقاوة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النًَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ}.
أي: أنتم أقررتم بالنشأة الأولى.. فهلاَّ تذكرَّون لتعلموا جَوَازَ الإعادة؛ إذ هي في معناها.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
أي: إذا ألقيتم الحَبَّ في الأرض.. أأنتم تُنْبِتُونه أم نحن المُنبِتون؟ وكذلك وُجوهُ الحكمةِ في إنبات الزَّرْع، وأنقسام الحَبَّةِ الواحدةِ على الشجرة النابتةِِ منها في قِشْرِها ولحائها وجِذْعِها وأغصاناها وأوراقها وثمارها- كل هذا:
{لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}.
لو نشاء لجعناه حطامًا يابسًا بعد خُضْرَته، فصِرْهُم تتعجبون وتندمون على تعبكم فيه، وإنفاقكم عليه، ثم تقولون:
{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}.
أي: لَمُلْزَمون غرامةَ ما أنفقنا في الزَّرع، وقد صار ذلك غُرْماُ علينا- فالمغرم مَنْ ذَهَبَ إنفاقُه بغير عِوَضٍ.
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} بل نحن محرومون بعد أن ضاع مِنَّا الرزق.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُمُ الْمَاءَ الذي تَشْرَبُونَ ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ}.
أأنتم أنزلتموه من السحاب... أم نحن نُنْزِلُهُ متى نساء أَنَّى نشاء كما نشاء على من نشاء وعلى ما نشاء؟ ونحن الذين نجعله مختلفًا في الوقت وفي المقدار وفي الكيفية، في القِلَّة وفي الكثرة.
ولو نشاء لجعناه ملحًا.. أفلا تشكرون عظيمَ نعمةِ اللَّهِ-سبحانه- عليكم في تمكينكم من الانتفاع بهذه الأشياء التي خَلَقها لكم.
قوله جلّ ذكره: {أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ التي تُورُونَ ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المُنشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ}.
وَرَى الزَّنْدَ يُرَى فهو وارٍ.. وأَوْراه يُورِيه أي يَقْدَحُه.
يعني: إذا قدحتم الزند.. أرأيتم كيف تظهر النار- فهل أنتم تخلقون ذلك؟
أأنتم أنشأتم شجرتها- يعني المَرْخ والعَفَار- أم نحن المنشئون؟
{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً}: أي يمكن الاستدلالُ بها.
{وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ}: يقال: أقوى الرجلُ إذا نزل بالقواء أي: الأرض الخالية.
فالمعنى: أن هذه النار {تَذْكِرةً} يتذكَّر بها الإنسان ما توعده به في الآخرة من نار جهنم، و{وَمَتَاعًا}: يستمتع بها المسافر في سفره في الانتفاع المختلفة.
قوله جلّ ذكره: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}.
أي: اسبحْ بفكرك في بحار عقلك، وغُصْ بقوة التوحيد فيها تَظْفَرْ بجواهر العلم، وإيَّاك أَنْ تُقَصِّرَ في الغوص لسببٍ أولآخَر، وإياك أن تتداخَلَكَ الشُّبَهُ فيتلفَ رأسَ مالِك ويخرجَ من يدك وهو دينُك واعتقادك.. وإلاَّ غرقتَ في بحار الشُّبَه، وضَلَلْتَ.
وهذه الآيات التي عَدَّها الله-سبحانه- تُمَهِّدُ لسلوكِ طريقِ الاستدلالِ، فكما في الخبر (فِكْرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادةِ سَنَةٍ)- وقد نبَّه الله سبحانه بهذا إلى ضرورة التفكير.
قوله جلّ ذكره: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرءَانٌ كَرِيمٌ في كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ}.
قيل: هي مواقع نجوم السماء. ويقال: موقع نجوم القرآن على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ}: والكَرَمُ نَفْيُ الدناءة- أي: أنه غير مخلوق ويقال: هو {لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ}: لأنه يدل على مكارم الأخلاق.
ويقال هو قرآن كريمٌ أنه من عند ربٍّ كريم على رسولٍ كريم، على لسانَ مَلَكٍ كريم. {فِى كِتَابٍ مَّكْنُونٍ}: يقال: في اللوح المحفوظ. ويقال: في المصاحفَ. وهو محفوظ عن التبديل. {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} عن الأدناس والعيوب والمعاصي.
ويقال: هو خَبَرٌ فيه معنى الأمر: أي لا ينبغي أَنْ يَمَسَّ المصحفَ إلا مَنْ كان مُتَطهِّرًا من الشِّرْكِ وعن الأحداث.
ويقال: لا يجد طَعْمَه وبَرَكَته إلاَّ مَنْ آمَنَ به.